منذ عصور خلت يحكى أن ملكا جبارا تجمعت في شخصه ملامح التقدمية والتخلف فمن جهة توسعت المملكة في ظله أيما اتساع وازدهرت أيما ازدهار ومن جهة أخرى اتصف بانقياده المطلق لنزواته خصوصا في ما يتصل بشؤون الحكم.
ومن جملة الأفكار المتخلفة التي سادت في عصره فكرة الساحة العامة التي هي بمثابة المحكمة هناك يؤتى بالمتهم ليقرر الحظ وحده ما إذا كان مذنبا أم لا. كانت تلك الساحة عبارة عن مستطيل طويل تحتل منصة الملك وبطانته أحد أطرافه وعلى الطرف المقابل يوجد بابان متشابهان ومتجاوران أما ما تبقى من جوانبه فمخصص لمن أراد الحضور من العامة.
لقد اعتاد الناس الحضور إلى هذه الساحة ليشهدوا المحاكمات حيث يجلس الملك على منصته تعطى الإشارة فيفتح الباب من تحت تلك المنصة يخرج المتهم إلى الساحة وكل ما عليه فعله هو أن يفتح أحد البابين.
فلو فتح الباب الأول يخرج عليه نمر جائع هو الأشرس في المملكة فيقطعه إربا جزاءا بما كسبت يداه. عندها يمتزج رنين الأجراس الحزين بعويل الباكيات ونواح النائحات اللائي يقتتن على مصائب الآخرين ثم يجر الحزانى من ذويه أذيال الخيبة وهم مطأطئوا الرؤوس حسرة على هذا الشيخ الوقور أو ذاك الشاب الوسيم.
أما لو فتح الباب الآخر فستخرج عليه إحدى حسناوات المملكة والتي أختيرت له خصيصا فيعقد قرانه عليها شاء أم أبى ساعتها يفتح باب آخر من تحت منصة الملك ويخرج أحد الكهنة لمباركة الزواج ثم تقرع أجراس الفرحة ليلتحق الكاهن والمغنون والراقصون والموسيقيون بموكب العرس المهيب هنالك ترتفع أصوات الزغاريد وينثر الأطفال الزهور على إمتداد الطريق المؤدي إلى بيت العريس.
ولكن من يدري أي البابين الأول وأيهما الثاني هذه باختصار سنة الثواب والعقاپ التي سنها الملك لشعبه والتي لا يجب أن يقف كائنا من كان بوجه تطبيقها ولما هذا الوقوف والمسألة غاية في النزاهة والمثالية فللمتهمين أن يفتحوا ما شاؤوا من تلكم البابين دون أي تدخل هذا فضلا عن أن الشعب مقتنع بعدالة هذه المحاكمات على فرض أن صاحب الجلالة ترك الخيارات مفتوحة أمام المتهمين
وأخيرا شاءت الأقدار أن تقول كلمتها فلقد وقعت ابنت الملك واسمها سارة بحب شاب ليس له مثيل في الشجاعة والجمال بيد أنه كان يعاب عليه أنه من عامة القوم. كان الملك يحب ابنته حتى أكثر من نفسه ذلك أنها مرئاته التي يرى العالم من خلالها لا بل هي ردة فعله التي تساويه في القوة وتوازيه في الإتجاه.
ما إن سمع الملك بتلك العلاقة حتى أمر بزج الشاب في السچن وحدد موعدا لمحاكمته التي أعد لها خير إعداد لتكون درسا لا ينسى لكل من تسول له نفسه التطاول على الأسرة الحاكمة فالدولة دولة والمواطن مواطن والحق أن الملك كان عاقدا العزم على إنزال